فضاء حر

فوضى الحوار في خيمة “صناعة الإجماع”!

يمنات

المجتمع الدولي في مقاربته الأزمة اليمنية يتصرف كمنظمة أهلية ممولة من الأجهزة الأمنية أو من الأمانة العامة في القصر الجمهوري!

إن لم يكن الأمر كذلك فإنه من الممكن قلب العبارة السابقة بالقول إن الرئيس هادي وحلفاءه المحترمين في اليمن يمتثلون كليا لتوجيهات وتعاليم واشنطن وحلفائها الغربيين وسينصاعون لأية صيغ يقررها خبراء زرق العيون.

قبل أشهر توعد مجلس الأمن نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض بالعقاب باعتباره من معرقلي العملية السياسية في اليمن. وأمس خص بيان للاتحاد الأوروبي قناة "عدن لايف" التابعة للبيض بالنقد لسياستها الموجهة ضد الحوار الوطني. (المجتمع الدولي يساهم بإشارته إلى "عدن لايف" في التضليل إذ أن تعيين هذه القناة بالذات يفترض أن وسائل الاعلام اليمنية الأخرى تعزز قيم الحوار في اليمن, وهذا حديث إفك معكوس).

البيان الأوروبي شدد على أن مؤتمر الحوار الوطني هو الوسيلة المثلى والوحيدة (المحتكرة للحوار بين اليمنيين) محذرا من مقاطعته أو محاولة تعطيله! وبارك تشكيل لجنة التوفيق لمؤتمر الحوار باعتبار اللجنة ضمانة لنجاح المؤتمر.

البيان الأوروبي الذي جدد التأكيد على قدسية المواعيد الزمنية للمرحلة الانتقالية بمعزل عن ربطها بالمهام المطلوب انجازها, يستشف منه أن مؤتمر الحوار الوطني موعود بوصفات جاهزة, تم اعدادها على طريقة الوجبات السريعة (فاست فود), وأن لجنة التوفيق التي يهيمن عليها أطراف المبادرة الخليجية في اليمن ستتولى المهمة نيابة عن أعضاء المؤتمر [يمكن قراءة موقف لجنة التوفيق من تقرير فريق العدالة الانتقالية في هذا السياق], وأن القضية الجنوبية ستسلق في المؤتمر بعيدا عن المكونات الجنوبية المقاطعة للحوار التي يتوهم الرئيس هادي وحلفاؤه في اليمن والخارج, امكانية عزلها ثم تحجيمها في الشارع من دون القيام بأية خطوات جدية تؤكد للرأي العام, بخاصة في الجنوب, بأن هناك تغيرا حقيقيا في العاصمة يستوجب مراجعة الشعارات والأهداف.

استطرادا, لا يملك المرء إلا الابتسام إذ يتابع تنظيرات عديدين من أعضاء المؤتمر الوطني ممن كانوا على الدوام من المناوئين للحراك الجنوبي والمحرضين على قمعه, وهم ينظرون الآن لجذور القضية الجنوبية ومحتواها, مجتهدين في تحديد سنة أساس لها!

كل يدلي بدلوه في يمن المرحلة الانتقالية فالكلام مباح والثرثرة محمودة والتهويم مطلوب لأنه وحده الكفيل بصرف الانظار عن احتياجات اليمنيين ومقتضيات تأمينها. والمطلوب هو حشر اليمنيين جميعا في خيمة [هل أقول منتجع؟] مؤتمر الحوار الوطني حيث التكاليف مرفوعة عن المشاركين ما داموا مؤمنين بأن معرقلي الحوار هم هؤلاء الذين تتم الإشارة إليهم في خطابات وكلمات الرئيس وفي بيانات مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وليسوا أولئك الذين جلبوهم إلى قاعات موفنبيك بدءا بالرئيس هادي وحلفائه الرئيسيين الذين يرفضون أي تهيئة جدية للحوار, ويكرسون خارج قاعات "فندق الخمسة نجوم" دويلات الامتيازات في العاصمة وخارجها.

ملهاة كهذه, بإنتاج اقليمي ودولي وتنفيذ "وطني", ليس بوسعها صناعة إجماع يمنية على "فوضى الحوار الوطني" حتى لو احتشدت كل المنظمات الاقليمية والدولية وراء الرئيس هادي وأغرقت اليمنيين بالبيانات والتوصيات والإنذارات.

زر الذهاب إلى الأعلى